كنت قد كتبت ونشرت في بعض المواقع المختلفة، هذا المقال في شهر أبريل من سنة 2011 تحت عنوان:"قلع القشور وكشف المستور في عالمنا المقهور".
وبعد إعادة قرائته، مع تمحّص في الأحداث الراهنة، تبيّن لي أنه ساير توقعات وقراءة الأحداث والمعطيات بين سطوره، تماشيا ومجريات الأحداث والمستجدات المتضاربة في هذا الربيع التحرّري، وما أجابتنا عنه المراجعه
والتدقيق فيما بين سطوره، قد أحببت إعادة نشره في رابط أرشيف مقالاتي بإحدى مدوناتي
الخاصة.
ولكم واسع النظر:
قلع القشور وكشف المستور في عالمنا المقهور
المكان : بين المغرب والمشرق.
الزمان : بداية سنة 2011 .
المشهد : مختلط جدا.
معارضة إصلاحية، معارضة ثورية، بلطجة، تطرف،
شذوذ، دعم وتأييد، نفاق خبزوي، نفاق سياسي، خوف على الامتيازات النخبوية، استغلال،
ركوب أمواج باحترافية، مناورات مخزنية بذكاء سياسي أو ذهاء ميكيافلي وأحيانا أخرى بغباء أو وقاحة
متناهية، محاولات إثبات الوجود من البعض الذين لا يريدون إلا سرقة الأضواء بعدما
لم يجدوا سابقا بُدّا ومسلكا إلى سرقة الأموال كما فعل بعض أقرانهم المحظوظين في
سياسة العالم الرابع حيث لا رقيب ولا حسيب أمام المبدأ الظاهر-الباطن "أنا
وأهلي وجيبي أولا، ومن بعدي الشعب والوطن" !! وإن جاء الطوفان فالسدود كثيرة والطائرة إلى
المنفى تبقى آخر الحلول.. شعارات، قذف وسب وشتم أحيانا على الهواء مباشرة وأحيانا
في الغرف المغلقة على الشبكة العنكبوتية على صفحات الفايسبوك وعلى المدونات الخاصة
وعلى قنوات "الواد الحار الخاصة" من اليوتوب والبالتوك.
مسرحيات وتمثيليات، تزمير وتطبيل، مشهد مختلف
جدا عن كل العهود السابقة من تاريخ المغرب المعاصر ولكنه لا يختلف كثيرا عن باقي
الدول العربية :حراك سياسي جدي ومشحون من القمة الى القاعدة، وحتى البلطجة أصبح
لها رأي! هذه الكلمة التركيةُ الأصل التي دخلت قاموس الربيع العربي ابتداء من مصر
بعد تكرار المشهد وكأنه نسخة طبق الأصل لما وقع في تونس، تقريبا بنفس الميكانيزمات
بين الشد والجذب حيث يشد المستفيدون من الأوضاع الفاسدة في طرف والمتضررون من
الطرف الآخر من الحبل وبينهما تجري مياه عكرة جدا اعتاد البعض الاصطياد منها
منذ زمن بعيد حيث وئدت الشفافية ولم يسأل احد بأي ذنب قتلت؟
الأمور تغيرت ولم تعد بسيطة في ميكانيزماتها كما
تعلمنا مع شعرة معاوية، فقواعد اللعبة تغيرت في هذا الزمن، فشعرة معاوية أصبحت
حبلا والحبل في هذه المعادلة إما لك و إما عليك، فان كان عليك فهو على عنقك طبعا، ما
دام هناك تناقض وليس توافق أو تجانس بين النخبة السياسية والقاعدة الشعبية. وان
كان الحبل لك فلك أن تلعب كما شئت بحجارة
الشطرنج على طاولة المشهد السياسي والاجتماعي والوطني بل والدولي كذلك، ولك فسحة كبيرة
في تمرير أوراق ممنوعة جدا من تحت الطاولة لأنه محرم ظهورها فوقها لأنها بكل بساطة
تخترق قانون اللعبة المتعاهد عليه.
فالمشهد هنا
تماما كجبل الثلج العائم، فما نراه يوميا ما هو إلاَّ الجزء الصغير نسبيا الذي
نراه فوق مياه سطح البحر أي فوق"الطاولة"، إلاَّ أن الجزء الأكبر
والأعظم هو الغارق في الأعماق بعيدا عن الوضوح والشفافية، والمملوء بالمخاوف
والغموض والدسائس وهو ما يحاك ويدار على مدار الساعة تحت الطاولة السياسية.
ولك أن تضرب
تحت الحزام إن استطعت بضربات ذكية وقاسية قد تسقط خصمك أرضا بأساليب خبيثة
وانتهازية، استعملت عربيا في عهود
المعارضة الاشتراكية والإسلامية، كما استعملت دوليا على مستوى المصالح الضيقة في
صراع اللوبيات على مستوى الصراعات الداخلية كما هو الشأن سابقا مع الرئيس السابق
للولايات المتحدة الأمريكية مع طعم مونيكا لوينسكي، الذي خدش من سمعة ومكانة الرئيس
الذي حدثته نفسه أن يستقل برأيه في أواخر ولايته الثانية حيث زاغ بعض الشئ عن الخط المرسوم لرئاسة البيت
الأبيض في ولايته الثانية، فجاء التذكير من بني يعقوب بطعم مونيكا لوينسكي
اليهودية الأصل بخطيئة ارتكبت في ولايته الأولى وكما نعلم فالذكرى تنفع بعضا وتردع بعضا وكل ذلك لحاجات
في نفوس بني يعقوب بات الجميع يعرفها جيدا.
وهكذا قدم
الرئيس الذي حدثته نفسه أن يزيغ عن الخط المرسوم لرئاسة البيت الأبيض
للمحاكمة حيث سيواجه اتهامين هما: الكذب تحت القسم، وعرقلة مجرى العدالة في فضيحة
مونيكا لوينسكي مع العلم أن قوانين
الولايات المتحدة لا تعاقب على الخيانة الزوجية !! ذلك الرئيس الذي يعتبر الآن من
أفضل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها الخاص حيث تميز عهده بالازدهار الاقتصادي و الاجتماعي للولايات
المتحدة، وكمثال بسيط على نجاح سياسته الداخلية و الخارجية بالنسبة لمصالح
الولايات المتحدة الأمريكية فقد وصلت قيمة
برميل النفظ في عهده أحيانا الى أقل من 17 دولار دون غزو ولا مجازفة..
نعود
الى تلك الأساليب التي باتت معروفة وأصبحت
أكثر أهمية مع تطور التكنولوجيا الرقمية،أساليب لا تترك ثغرة إلا واستغلتها أيما
استغلال لإ خضاع الخصم والنيل من صورته، تلك الصورة التي باتت أصدق أنباء من القلم
ومن الكتب في عالم الكاميرات الرقمية للموبايل واليوتوب والفايسبوك، حيث الضربات
تحت الحزام لم تعد في أقبية سرية وانما في أقبية علنية حيث تكون الضربات ذكية جدا وقاتلة جدا وتقتل مرتين:
في الحياة السياسية أولا ثم الحياة الخاصة العملية والعائلية والشخصية والزوجية..)
وما
يسعنا أمام هذا المشهد إلا استحضار المقولة الشعبية التي نتداولها أحيانا بين
الأصدقاء "لعن الله الساسة والسياسة
وسوسو"!!!
على
كل حال من منا لم يفعلها يوما بنزوة خمر أو"حريم" فليتقدم ويقذف الناس
بالحجارة!
ما
يهمني وأنا أتفرج من بعيد على الطريقة الحنظلية "البُعدوية" (للمرشد
ناجي العلي) في كل هذه البلطخة والبلطجة السياسية وكأنها إحدى اللوحات السريالية
لبيكاسو أيام الحرب الأهلية الإسبانية، التي
تحتاج لتمحيص وتفحيص في محاولة لفهمها وفهم المغزى منها وان لم يكن للسياسة
من مغزى غير صراع المصالح أوتوافقها, فعدوك اللذوذ بالأمس-القريب قد يصبح صديقك
المقرب اليوم أو بالأحرى "حليفك المقرب" وهو المصطلح الصحيح في علم
السياسة الذي لم نجد له تعريفا إلى حد
الآن أقرب من تعريف ابن خلدون "وهو فن الممكن" حيث المجال مفتوح
و هلمَّ جرّا..وان أردت كسرا من "كسر العظام" أو نصبا من "النصب
والاحتيال" أو ضما من" ضم الامتيازات"، أما السكون فمحذوف بموجب
قاعدة "لنا السبق عليكم"!!
وما
يهمّني أنا شخصيا كمواطن بسيط بهمومه اليومية من هذا الفن القاسي "فن الممكن"
الذي لم يتعلم منه مريدو الطريقة
"الحنظلية" من بعيد للمبدع
المغتال "ناجي العلي" هو أن تتوقع كل المفاجآت والتناقضات المنطقية
والغير المنطقية والعقلانية والغير العقلانية و أن مجال الثقة مفقود أو منعدم.
وما
يهمني كذلك في هذا الربيع الذي لايزال مستمرا بخضرته رغم حرارة الصيف ورياح الجنوب
القاحلة، هوأي قيمة مضافة للمواطن البسيط؟
لذلك العاطل الذي سئم من الذهاب والإياب كشعيرة
السعي بين الصفا و المروة وان كانت رحمة
الله ألطف على الأم وابنها في الصحراء
القاحلة، فان عصا المخزن غليظة بين محطة القطار وقبة البرلمان بحثا عن مخرج في واقع اجتماعي الذي بات لا يرحم
شابا ولا كهلا!
وأي قيمة
مضافة لتلك الأرملة التي تكابد في حاضرها من أجل مستقبل أبناءها، ولتلك المرأة
التي تحمل ابنها على ظهرها والمنجل في يديها وتحدق إلى الشمس بأجفانٍ جامدةٍ،
ولذلك الموظف البسيط الذي يظل شاردا بذهنه
منذ المنتصف الثاني من الشهر في التخمين لمبلغ الكراء وديون البقال
ومتطلبات المعيش اليومي للأسرة، حيث صياح الزوجة تحول الى كابوس من الهموم ومن متطلبات
الحاجيات اليومية !
وأي
قيمة مضافة لذلك الشاب الذي رمى بزهرة عمره مغمضا عينيه وضاغطا على قلبه في أجمل
فترات العمر، ممنيا نفسه بمستقبل أفضل له ولوالديه ولحبيبة العمر..
دون
ان ننسى ذلك البلطجي الضحية الذي انهزم بضعفه أمام قوة تيار التخلف الجارف،
فاحتضنته ثقافة "التشمكير" ولم يعد يفهم الا الخضوع للجلاد والتبلطج في الشارع العام أمام المواطنين،عارضا
بلطجته كما يعرض الغوريلا أنيابه وصراخه في غابات إفريقيا، وممارسة طقوسه الحياتية
التي تنحصر في ادمان المخدرات وشرب المسكرات والشجار بالسلاح الأبيض والنشل والخطف
وتكوين مجاميع تنتشر في أماكن خاصة مقتصرة على أحياء معينة بأشكالهم المميزة!
وقد يظهرون على الساحة في مناسبات مختلفة
ويرتبطون بشكل لافت بالانتخابات وهو موسمهم المفضل"للتبزنيز" والعويل للحصول
على دريهمات قذرة لسد حاجتهم اليومية من إدمان المخدرات والمسكرات، حيث يظهرون في
هذا الموسم مدفوعين من قبل أناس لديهم مصالح انتخابية للتهليل والتصفيق والصياح ولشراء
وحصد الأصوات وأحيانا للتدافع والتناطح بين مؤيدي وخصوم المرشحين السياسيين.
تعتبر هذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة هي نتيجة أكبر
عملية "تكليخ" ممنهج ومنظم للشباب المعربي منذ عهود سابقة والتي كانت
السياسة الإعلامية والتهميشية والتعليمية احد ركائزها مع الإصرار على الاحتكار الإعلامي
قبيل الانفتاح على الفضائيات والشبكة العنكبوتية، بل ولم يعد خفيا على المهتمين
بالشأن الاجتماعي أنها ظاهرة جد معقدة تخص العالم العربي وتوحِّده في إنتاج التخلف
الاجتماعي الشاذ، وإن اختلفت النسب والمسميات بين البلطجة في مصر أو الشبِّيحة في
سوريا أو المرتزقة في ليبيا أوالتشمكير في المغرب أو الحونشية في السعودية..فالكارثة الاجتماعية
واحدة وان اختلفت نسب تواجدها.
الى
أن هذه "الشريحة-النازلة" ظلت
مغيبة وكان تصنيفها في خانة المجرمين وذوي السوابق العدلية دون أي دراسة أو اهتمام
من ذوي الاختصاص من الناحية السوسيولوجية.
فحتى عند ناجي العلي الذي تطرق إلى جل الشخصيات
الاجتماعية الفاعلة ومميزاتها وطبائعها في الحياة اليومية للمجتمعات العربية بين الشر والخير والنذالة والعمالة في رسوماته الكاريكاتيرية ذات الطابع التراجيدي
التي تدقق في الحياة اليومية للمواطن العربي والتي تتجلى في صراع داخلي-داخلي وآخر
داخلي-خارجي. ورغم أن عنصر الاحتلال الأجنبي غير موجود في باقي الدول وهو مأساة فلسطينية
مستمرة إلى حد الآن فأن العنصر الأجنبي يظل
حاضرا بقوة بشكل أو بآخر في باقي الدول والمجتمعات سواء المشرقية أو المغاربية
منها. ويتجسد هذا الصراع في العديد من
الشخصيات التي انتقاها فنان المأساة ناجي العلي الذي اختار ثقافة الفن
الكاريكاتيري الساخر لأن أفضل وسيلة لتحدي الجلاد ورفض الواقع الظالم والغير الصحي
والغير العادل هو أن تضل ساخرا من ذلك الجلاد وتتشبت باببتسامتك في أحلك الأوقات
مهما كانت في عينيك ألف دمعة من الألم! تلك إرادة التحدي وإرادة الحياة التي نهل
منها مبدعنا من شاعر المأساة وشاعر الحياة أبو قاسم الشابي .. إرادة يتحطم أمامها
جميع أنواع الصخور الحجرية والبشرية، الصم البكم الذين لا يعقلون..
وفن
السخرية كان دائماً وما زال ذو نظرة تهكمية غريزية تعتمد على دقة الملاحظة وسرعة
البديهة، مع نظرة تنقِّب عن السخرية في المواقف من خلال تقاطيع الوجه وتعبيرات
الجسد في شكل مختلف عن الواقع، ويهدف إلى الرمز في خليط من المبالغة مع الحفاظ على
الشخصية والشبه في آن واحد، وهذا ما سنجده عند الفنان ناجي العلي الذي استطاع أن
ينظر الى العالم من حوله بنظرة نقدية عميقة وخاصّة وبرهنة عن موهبة خاصة جداً
يعززها نوع من الذكاء والقدرة على تحليل بواطن الأمور والأشياء.
وستتجلى هذه النظرة والقدرة على تحليل بواطن الأشياء عند ناجي
العلي في مجموعة من الشخصيات التي تطرق من خلالها الى تحليل الدور والمكانة
والأهمية التي تلعبها في سيرورة الأحداث في المجتمع بكل مميزاتها وطبائعها الخاصة
.
وسنجد شخصية حنظلة شاهد العصر الذي لايموت وهي
أشهر الشخصيات التي رسمها ناجي العلي في كاريكاتيراته، ويمثل صبياً في العاشرة من
عمره، أدار حنظلة ظهره للقارئ وعقد يديه خلف ظهره. وأصبح بمثابة توقيع ناجي العلي.
يقول ناجي العلي أن الصبي حنظلة ذا العشرة أعوام
يمثل سنه حين أجبر على ترك فلسطين ولن يزيد عمره حتى يستطيع العودة إلى وطنه.
ملابسه مرقعة وظهوره حافي القدمين يرمزان
لبساطته ويحيلنا على معانات المواطن العربي البسيط في حياته اليومية وكذلك انتمائه
الى الطبقة الفقيرة.
إدارة الظهر وعقد اليدين يرمزان لرفض الشخصية
للواقع والظلم والاستبداد رغم بساطتها وصغر سنها . يقول المثل الانجليزي
"البساطة أم الجمال" وجمال هذه الشخصية التي لم نرى قط وجهها يوجد في
بساطتها.
أصبح
حنظلة إمضاءً لناجي العلي، كما ظل رمزاً للتحدي حتى بعد اغتيال مؤلف الشخصية.
لقد
وصف شارلي شابلن كيف ظل لفترة طويلة يتخير ملابس شخصية المواطن الصغير ، وكيف بحث
طويلا ليجد تلك السترة الفضفاضة ، والسروال الضيق ، والحذاء بمقدمته العريضة.
ناجي
العلي استطاع أن يجد لحنظلة ما يميزه كشخصية فنية لكي تتجاوز تلك الشخصية حدود
الطفل الفلسطيني وتصبح رمزا عالميا للطفولة التي تتشرد في الدنيا . خلق ناجي العلي
شخصية حنظلة دون وجه ، وأدار ظهره للعالم، وعندما سُئل ناجي عن موعد رؤية وجه
حنظلة أجاب: عندما تصبح كرامة الشعوب العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان
العربي شعوره بحريته وإنسانيته ».
اغتيل الفنان ولم يُكتب له أن يرى وجه حنظلة،
لكن حنظلة مازال مصرا على التحدي وشاهدا على العصر الذي لا يموت ..
يقول ناجي
العلي : ان حواسي تصبح أكثر وضوحاً أن
أشير إلى نافذة مفتوحة في الأفق يبدو منها خيط من النور وأن أعري أولئك الذين لا
يكفون عن الضجيج بأن الظلمة تشمل كل شيء وأن التسول هو لغة استرجاع الحق ، كل هذا
أقل ما أستطيع أن أفعل دفاعاً عن كرامة الذين ضحوا دفاعاً عن الحق الحلال في الحلم
بالمستقبل).
وأبرز ما نجد في رسوماته شخصية السمين ذي
المؤخرة العارية والذي لا أقدام له (سوى مؤخرته) ممثلا به القيادات العربية
المستبدة والمرفهة على حساب بؤس ومعاناة شعوبها، وتمثل كذلك الخونة والانتهازيين
لاعقو الأحذية .
كما
نجد شخصية الجندي المحتل، الطويل الأنف كرمز للعنصر الخارجي الذي يحشر أنفه في
شؤون المنطقة بما يتماشى ومصالحه الاستغلالية الاستعمارية الخبيثة، والذي في أغلب
الحالات يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال، وخبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية.
كما
نجد شخصية فاطمة وهي ترمز الى المرأة الفلسطينية التي أسماها ناجي فاطمة في العديد
من رسومه. شخصية فاطمة، هي شخصية لا تهادن، رؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق
بالمحتل وبطريقة حلها، بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحيانا.
كما
جسد لنا شخصية الزوج الأب الكادح والمناضل
النحيل ذي الشارب الكثيف، وكبير القدمين واليدين مما يوحي بخشونة عمله وكدحه طوال
الوقت.
بعد
تجسيد كل هذه الأطراف اللاعبة والفاعلة في المعادلة الجديدة القديمة والتي لم نجد
لها تجسيدا أقرب من إبداع وسخرية الفنان ناجي العلي، دعونا نعود إلى أحلامنا
البسيطة من أجل غد مشرق وأفضل.
فمهما
اكتست خضرة الربيع زهورا حمراء بدماء
الشهداء، وإن طالت مدتها أو قصرت، امتدت أو زُبِرَت بزُبْرَةٍ من حديد، فمن المؤكد
هنا أن هذا الربيع الأخضر الذي بدت تكسوه ألوان زهور حمراء، أنه جاء بالتفاتة
مشرقة وأمل في النفوس للإصلاح والتغيير الجذري من أجل غد أفضل، وتكسير كل خطوط الاحتكار
والامتيازات المطلة لبعض الانتهازيين، والملكيين أكثر من الملوك والمتزعِّمين والزَّاعمين
لزَعامة الزُّعماء، حتى جعلوا منهم فراعنة الجمهوريات الوراثية في زمن حققت فيه
شعوب الشمال من الرقي الإنساني فيما بينها على طاولتها الخاصة ما لم تشهده الإنسانية
من قبل، اللهم بعض النقاط المضيئة في بحور الظلمات السابقة.
أصبح لنا أمل في قضاء مستقل وعادل لا يفرق بين
أحد ولا يرفع أحدا على احد في ميزان المساواة والعدالة عندما يكون القانون فوق
الجميع.
أصبح
لنا أمل في تعليم متطور لجميع أبناء الوطن، تعليم يساهم في تقليص الفوارق بين فئات
الشعب وطبقاته، لا ذلك التعليم الذي يكرس الفوارق بين مختلف فئات وطبقات الشعب
ويخرج جيوشا من العاطلين ضحايا التهميش والإقصاء والحرمان من المواطنة الكريمة في
الشغل وولوج درجات يستحقونها طبقا لمؤهلاتهم وإمكاناتهم لا لوساطتهم في سكك الزبونية
والمحسوبية.
أصبح
لنا أمل في تعليم يحارب البلطجة لا يساهم
في إنتاجها من خلال الهدر المدرسي الإجباري حيث تضيع براءة الأطفال بين تهميش
الدولة وإهمال الأسرة !
- وأمام هذا المشهد بين الشد و الجذب أقف كما
وقف حنظلة وأغيب بين الماضي القريب والحاضر الغامض وكلي أمل في مستقبل مشرق، فأنا
كمواطن بسيط أحسّ بأن العالم من حولي مغمور بالكذب والنفاق، وكواليسه ضرب من
الطبيخ حيث يُدَسُّ السم في العسل ويقدم الحنظل على أنه سكر للمقهورين والضعفاء،
وما يسعني في هذه الظروف إلا أن أترحم على روح شهيد كشف المستور في عالمنا المقهور
شهيد الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية محمد البوعزيزي، وأن أطلب له الرحمة
الإلهية من الرحمان الرحيم، ذلك الشهيد الذي
قهره ظلم الطغاة الذين تركوا الأنذال يعيثون في المجتمع فسادا ولم ترحمه
قساوتهم ولا ذلهم فأبى إلا أن يغسل ذلهم بالنار !!
أقف هنا
وأدعو كل صوتٍ وجد أذانا صاغية بعد أن بحت حنجرته لسنوات من الصِّياح: إلى كل عاطل
حامل لشهادة عليا أُدمج في وضيفة عمومية، الى كل موظف بسيط استفاد من زيادة في
أجرته الشهرية، والى كل أرملة استفادت من زيادة في معاش زوجها،والى كل بائع متجول
لم تعد السلطات المحلية تسلب منه سلعته وتجبره على إعطاء رشوة يومية، والى كل
معتقل تمتع بمحاكمة عادلة،والى كل مواطن بات يستطيع أن يحصل على حقوقه دون أداء
رشوة ودون خوف أو قمع، والى كل مياوم بسيط
بات يجد حافلة كوسيلة نقل تليق به كانسان لتنقله الى مقرعمله وليست كحافلة
لا تليق بدولة تحترم شعبها، الى كل طالب يفكر بعقل مبهم في حاجياته اليومية من مصاريف
التنقل ونسخ الكتب والتخمين في تعبئات
الانترنيت استفاد من منحة دراسية لائقة...
إلى كل من
انتزع الإعتراف به وبوجوده كإنسان كريم يستحق معاملة كريمة وفقط..
إليكم
أنتم جميعا أدعوكم إلى الترحم على روح شهيد كشف المستور في عالمنا المقهور، الى
شهيد الإنسانية وصوت الحرية من جزر أقبية
القمع التهميش"محمد البوعزيزي" تماما كما ترحم الفرنسيون كثيرا على جان دارك.."عذراءُ
أورليانز" والامريكيون على العجوزة السمراء روزا باركس.
وفي الختام دعوني أؤكد بقوة الحدس لا بمنطق
تحاليل المستقبليات بين "المحتمل" و"الممكن"
و"المفضل" بعيدا عن سيناريوهات الكواليس المعتمدة، فمهما تعددت
السيناريوهات وتشكلت العقد فإن النهاية ستترسم بملامح واحدة ونتيجة تقول أن الأمس
ليس كاليوم وأن الغد سيكون مختلفا تماما عن اليوم والأمس..بعد سنوات من
الرصاص الطويلة وأخرى من الضباب وعدم وضوح
الرؤية فإنني بمنطق الحدوس والإلهام أحلم الآن
بغد مشرق..ليس كالحلم الأمريكي إنه حلم كبير وبسيط في نفس الآن.إنه حلم الكرامة
المفقودة والتي من اجلها مات وتعذب الأجداد..
حلمنا بسيط وسَنكْتُبُه بعطر الياسمين.. وكلّنا
أمل أن تندمل يوما كل جروح وندوب الأشواك الغائرة..
سيقول البعض أننا نحلم أن تَنْبُتَ فِي
صَحْرَاءِ الأَحْزَانِ أَشْجَار الْمُسْتَحِيلِ!؟
لكني
أستطيع التأكيد أنه بعد اليوم لن تستطيع خفافيش الظلام سرقة أحلامنابكل بساطة
لأننا لم يعد أحد يخشى الكوابيس أمام شمس الربيع، بعدما سرقوا في الماضي والحاضر كل
أحلامنا كما تسرق الأموال!
اللصوص يحبون
الظلام ويخشون الوضوح كذلك الخفافيش مع شمس الربيع.
أحلامنا فسحة الأمل وجرعة الحياة! تماما كما قال شاعر المأساة وشاعر الحياة أبو
القاسم الشّابي في خاتمة قصيدته المشهورة:
وأُعْلِــنَ فــي الكـون: أنّ الطمـوحَ**لهيـــبُ
الحيــاةِ ورُوحُ الظفَــرْ
إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ **فــلا
بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر
فكان
ردا وجوابا على مقولة الرضوخ والاستكانة آنذاك، التي أوهمت الناس بتنظير من
"فقهاء-الكهنوت" أن الاستعمار قدَرٌ على الشعوب وما عليها إلاّ القبول..القبول
بأمر الواقع والاستسلام لضلام الخريف وإطفاء كل الشموع والمصابيح، فأجابهم شاعرنا
وترك هذه الكلمات ورحل :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
وقد وافته المنية دون أن يُكتب له أن يرى اندحار
الاستعمار وتحقق نبوءته بانكسار القيد واستجابة القدر أمام إرادة الشعب وإرادة
الحياة.
بكل
بساطة لأن إرادة الحرية والحياة تبقى أقوى الغرائز عند الإنسان، والضامن الوحيد
للإنسانية جمعاء.
صدق من قال "قد يغتالون كل طيور السنونو لكن ذلك لن يمنع الربيع من القدوم"
كل عام وربيعكم أخضر
وشمسكم ساطعة
السلام عليكم
محمد بوعلام
عصامي
ملحق:
تشرفت بمصافحة مدونتك الرائعة أخوي محمد
ردحذفوأتشرف بمعرفتك.
موفق أخوي
تحياتي الصادقة أستاذ سعد.
ردحذف